إيڤا برس – متابعات:
مع هيمنة إغلاقات وباء كوفيد على العالم في عام 2020، أدلى المدير التنفيذي لشركة “بي بي” (BP)، برنارد لوني باعتراف مفاجئ، مفاده أنه يعتقد بأن الطلب على النفط قد لا يعود إلى مستويات ما قبل الجائحة، إلا أنّه عاد وغيّر رأيه تماماً في الآونة الأخيرة.
بعد إعلانها عن خطط طموحة لخفض الانبعاثات، تضخّ شركة “بي بي”، التي تُعد من أكبر منتجي النفط الخام في العالم، مزيداً من الاستثمارات في الوقود الأحفوري.
يأتي ذلك في وقت يتجه فيه إستهلاك الوقود نحو تسجيل مستوى قياسي هذا العام، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة، التي تقدّم المشورة لاقتصادات رئيسية. فالعرض، الذي تأثر بشدة بالغزو الروسي لأوكرانيا، وبتباطؤ نمو قطاع النفط الصخري في الولايات المتحدة، والاستثمار الباهت في الإنتاج، لا يستطيع مجاراة الطلب.
تعطّش مستمر للنفط
الأمر برمّته يتوقف على الصين. إذ تُقبل ثاني أكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم على النفط الخام، بعدما عكست مسار سياساتها الصارمة للتعامل مع فيروس كوفيد. وعلى خلفية إمدادات محدودة، يدفع ارتفاع الطلب كل المحللين، من “غولدمان ساكس” إلى مجموعة “فيتول” (Vitol Group) التجارية العملاقة، إلى توقع صعود الأسعار إلى 100 دولار للبرميل في وقت لاحق من العام الجاري.
“فيتول”: النفط يتراوح بين 90 و100 دولار في النصف الثاني من 2023.
أمين الناصر، الرئيس التنفيذي لشركة “أرامكو السعودية” –أكبر شركة نفط في العالم– قال في مقابلة يوم الأول من مارس في الرياض: “الطلب من الصين قوي للغاية”.
بحلول النصف الثاني من العام، يقول المحللون إن السوق ستواجه نقصاً في إمدادات النفط –وهو سيناريو سيخيّم على اجتماع قادة القطاع الذين يجتمعون هذا الأسبوع في مدينة هيوستن بولاية تكساس الأميركية، خلال فعاليات “سيراويك” (CERAWeek)، وهو مؤتمر رئيسي سنوي للطاقة تنظمه “ستاندرد آند بورز غلوبال” (S&P Global).
تُظهر الأزمة الوشيكة أنه، حتى مع تبنّي العالم المزيد لمصادر الطاقة النظيفة، فمن الصعب إرواء التعطش إلى النفط.
وفيما كانت أزمة الإمدادات بمثابة هبة لمنتجي النفط الخام ومستثمريه، فإنها تضرّ بالمستهلكين، وتُعقِّد جهود البنوك المركزية لكبح التضخم.
الإفراط في تقدير حجم الإنتاج
على هامش مؤتمر أسبوع الطاقة الدولي في لندن الأسبوع الماضي، قال سعد رحيم، كبير المحللين الاقتصاديين في مجموعة التداول “ترافيغورا” (Trafigura Group): “باختصار، رأيي هو أن الناس ربما يستخفّون بالطلب، ويفرطون في تقدير حجم الإنتاج”.
في أعقاب عكسها المفاجئ لمسار سياسة “صفر كوفيد”، وهي السياسة التي فرضت إغلاقات على نطاق واسع إلى جانب فرض الحجر الصحي على المسافرين والفحوص والتتبع، ينتعش الاقتصاد الصيني، ما يزيد من الطلب على النفط. وقد سجّل قطاع التصنيع الصيني أكبر تحسن له في أكثر من عقد خلال الشهر الماضي، فيما تنتعش أنشطة الخدمات وتستقر سوق الإسكان.
تعني إعادة فتح الاقتصاد، أن استهلاك النفط في الصين مهيأ للوصول إلى مستوى قياسي خلال العام الجاري. وفقاً لمتوسط توقعات 11 مستشاراً يركزون على الصين شملهم مسح أجرته “بلومبرغ نيوز” في وقت سابق من العام، سيصل الطلب اليومي إلى أعلى مستوى له على الإطلاق عند 16 مليون برميل يومياً، بعد انكماشه في 2022.
الشهية على النفط الخام
ليست الصين وحدها التي تأتي بهذا الطلب، فالهند ودول أخرى في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، تستهلك المزيد من النفط مع إعادة فتح الحدود، ما يساعد على دفع الطلب العالمي إلى مستوى قياسي بلغ حتى الآن منذ بداية العام، 101.9 مليون برميل يومياً، وربما سيُغرق ذلك السوق في عجز بحلول النصف الثاني، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
كذلك، فإن الحركة الجوية تتعافى، وهذا بدوره يعزز استخدام وقود الطائرات، في حين فُتحت أيضاً شهية الولايات المتحدة وأوروبا على النفط الخام.
قال كريستوفر بيك، عضو اللجنة التنفيذية في شركة “فيتول”، خلال مؤتمر أسبوع الطاقة الدولي، إن إحياء السفر الدولي مع عودة ظهور الصين على الساحة، سيكون أحد “المحركات التي ستدفع الطلب في المستقبل.. أعتقد أننا سنرى هذا التقدم خلال الأشهر القليلة المقبلة”.
توقعات محللي “وول ستريت”
في أواخر فبراير، عدّل بعض محللي “وول ستريت” توقعاتهم بارتفاع الأسعار خلال العام الجاري. خفّض بنك “مورغان ستانلي” توقعاته للنصف الثاني، وحدّ من تكهناته بأن خام برنت سيتخطى 100 دولار للبرميل، فيما يقول “بنك أوف أميركا” إنه يتوقع تراجع مخاطر حدوث قفزة في الأسعار، بسبب قوة تدفقات النفط من روسيا.
جرى تداول خام برنت، الذي يُعتبر المؤشر العالمي للنفط، عند 85 دولاراً للبرميل يوم الجمعة الماضي.
رغم ذلك، يتوقع المحللون ارتفاع أسعار الخام في النصف الثاني من العام، إذ يُرجّح الكثيرون عودة سعر خام برنت إلى مستويات في خانة المئات للمرة الأولى منذ أغسطس الماضي.
قال جيف كاري، رئيس وحدة أبحاث السلع الأساسية في “غولدمان ساكس”، خلال مقابلة مع تلفزيون “بلومبرغ” في الأول من مارس، إن إعادة فتح الصين ستضغط على الطاقة الإنتاجية الاحتياطية العالمية، ما سيدفع الأسعار نحو 100 دولار للبرميل في الربع الرابع، مع تراجع المخزونات واستقرار المعروض النقدي.
واختتم كاري: “مع عودة الصين، سنخسر هذه الطاقة الإحتياطية، ثقتي كبيرة جداً في أننا سنشهد إرتفاعاً آخر في الأسعار خلال الأشهر الـ 12 إلى الـ 18 المقبلة”.
المصدر: الشرق/ بلومبرغ